جندي قتل فتىً (15 عامًا) بإطلاق قنبلة إضاءة على رأسه دون أن يشكل خطر على أحد

جندي قتل فتىً (15 عامًا) بإطلاق قنبلة إضاءة على رأسه. الفتى كان يقف على الجانب الآخر من السياج الحدودي لقطاع غزة ولم يشكّل خطرًا على أحد
في تاريخ 9.9.16، عند الساعة 19:10، قتل جندي الفتى عبد الرحمن الدباغ، 15 عامًا، من سكان البريج، حين أطلق عليه قنبلة إضاءة من مسافة قصيرة جدًا أثناء مظاهرة قرب الجدار الأمنيّ شرق مخيم البريج. أصابت القنبلة منطقة أعلى عين الدبّاع فكسرت عظام الجمجمة وعلقت بينها فيما استمرّت بالاشتعال لثواني طويلة وهي ملتصقة بوجهه. شريط الفيديو الذي صوّره أحد المشاركين في المظاهرة ووصل إلى بتسيلم يوثّق لحظات ما بعد عملية إطلاق القنبلة، والتي شوهد فيها الدباغ ممددًا على الأرض فيما قنبلة الإضاءة مشتعلة لِصْقَ وجهه. في البلاغ الذي وصل وسائل الإعلام العبرية قال الجيش إنّ قواته الموجودة في المنطقة لم تطلق النار.

تبيّن من تحقيق بتسيلم أنّه ككلّ يوم جمعة، بعد الساعة الثانية ظهرًا، تظاهر ما يقارب مائة شابّ وفتى بالقرب من الجدار الأمني شرقي مخيّم البريج. من الجانب الآخر للجدار كانت هناك أربع سيارات جيب عسكريّة وما لا يقلّ عن عشرة جنود، قسم منهم وقف بالقرب من سيارات الجيب والآخرون وقفوا على أكوام التراب من خلفهم، باتجاه الشرق. قسم من المتظاهرين ألقى الحجارة باتجاه الجنود، من بينهم الدباغ الذي ألقى الحجارة بواسطة مقلاع. وفق أقوال شهود كانوا في المكان، أطلق الجنود الرصاص الحيّ في الجوّ وباتجاه أقدام المتظاهرين وألقوا قنابل الغاز المسيل للدموع، وكذلك قنابل الصوت وقنابل الإضاءة.

زهاء الساعة 15:00 اقترب الدباغ، برفقة نحو عشرة متظاهرين آخرين، إلى سياج أسلاك يبعد نحو عشرة أمتار عن الجدار الحدوديّ غربًا. قصّ هؤلاء سياج الأسلاك، واجتازوه مقتربين من الجدار الأمنيّ (السياج الحدودي). أخذ الشبّان حينًا يقتربون مسافة أمتار معدودة من الجنود وحينًا يبتعدون عنهم. وفق أقوالهم، أطلق الجنود عليهم قنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل الإضاءة.

استمرّ رشق الحجارة وكذا إطلاق النار على المتظاهرين حتى ساعات المساء. بعد الساعة 19:00 بقليل، وكان الدباغ قد ابتعد عن الجدار الأمنيّ مسافة 10-15 مترًا، أطلق عليه أحد الجنود بتصويب مباشر قنبلة إضاءة قطرها 40 ملم من خلال قاذفة قنابل. أ.د، البالغ من العمر 31 عامًا، من سكان مخيّم دير البلح، وصف في إفادة قدّمها لمحقق بتسيلم الميدانيّ خالد العزايزة ما شاهده:

أطلق الجنود باتجاهنا قنبلتين من قنابل الإضاءة بتصويب مباشر. أصابت القنابل الجدار وتسببت في اشتعال النيران. بعد الساعة 19:00 بقليل، تقدّم جندي بضع خطوات وأدخل بندقيته عبر الجدار. أطلق قنبلة إضاءة مباشَرَة على عبد الرحمن. أصابت القنبلة رأسه. سقط على الأرض وظلّ وجهه يشتعل.

اقتربت منه بسرعة لكن أحد الجنود قال لي بالعربية: “تراجعْ وإلاّ أطلقت النار عليك”. قلت له أنّي أريد فقط أن أحمله. تقدّمت خطوتين باتجاه عبد الرحمن وأطلق الجنديّ بعض الرصاصات باتجاه قدميّ. توقفت. ثمّ شغّل الجندي مؤشر ليزر من بندقيّته ووجّهه صوبي. بعد أن خمدت النار على وجه عبد الرحمن سمح لنا الجنود بالتقدّم نحوه. كان وجهه محترقًا والدماء تسيل منه. كان مغميًا عليه ولم يتحرّك. صرخت وطلبت مساعدة من الشبّان فجاءوا وحملوه.

ح.ه. من سكان مخيّم البريج، 25 عامًا، كان في المظاهرة وروى لمحقق بتسيلم الميدانيّ خالد العزايزة:

وضع عبد الرحمن يديه الاثنتين إلى ما فوق الرأس مشكّلاً إشارة النّصر (V)، ورجع عدة خطوات إلى الخلف. بعدها تقدّم أحد الجنود وأطلق النار باتجاهه، وتراجع عبد الرحمن إلى الخلف. سمعتُ انفجار قنبلة أطلقت باتجاهنا. رأيت عبد الرحمن يسقط على الأرض ووجهه يشتعل. حاولت الاقتراب منه لإسعافه لكنّ أحد الجنود أمرني بالابتعاد. وجّه صوبي سلاحه وأطلق رصاصة بقُربي. واصلت الوقوف في مكاني وصحتُ على الشبان ليساعدوني على العناية به. ظلّ عبد الرحمن ممدّدًا على الأرض إلى أن خمدت النار في وجهه. طلبت من الجنود ويداي مرفوعتان أن يمكّنوني أنا وشابًّا آخر من الاقتراب. تقدّمنا عدّة أمتار إلى أن وصلنا إليه.

بعد أن خمدت النار سمح الجنود للمتظاهرين بالاقتراب من الدباغ، وبعضهم اقتربوا منه وحملوه إلى سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر كانت متوقفة على بعد نحو 300 متر من الجدار الأمنيّ. من هناك تمّ نقل الدباغ إلى مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح.

في التشريح الجنائي الذي أجري للجثة في المستشفى تبيّن أنّ الدباغ أصيب في الجزء الأيسر من الرأس، وتحديدًا أعلى العين اليسرى. تسبّبت الإصابة في كسر في الجانب الأيسر من عظام الجمجمة، وتمزّق ونزيف في أيسر الدماغ، وحروق خارجيّة في منطقة الإصابة. في شهادة الوفاة ذُكر بشكل واضح أنّ الجروح التي تسببت في وفاة الدباغ نجمت عن إصابه رأسه بقنبلة إضاءة.

يتّضح من تحقيق بتسيلم أن جنديًّا أطلق القنبلة على الدباغ في حين لم يشكل خطرًا على حياة الجنود، إذ وقفوا في الجانب الآخر من الجدار الأمنيّ وهم محميّون تمامًا. الدباغ هو القتيل العشرون في غزة منذ اندلاع المظاهرات بالقرب من الجدار الأمنيّ في تشرين الأول 2015.

قنابل الإضاءة ليست وسيلة لتفريق المظاهرات. إنّها معدّة- كما يوحي اسمها- لإضاءة منطقة معتمة أو نقل رسائل لقوّات أخرى. يجوز إطلاقها في الجوّ فقط، لكي تحلق عاليًا وتضيء المنطقة. ويُحظر بكل تأكيد إطلاقها بتصويب مباشر نحو أجساد المتظاهرين.

في حالات مشابهة في السابق اعتادت منظمة بتسيلم التوجّه إلى جهاز تطبيق القانون العسكريّ مطالِبة بالتحقيق في الحادثة وباتخاذ الإجراءات ضدّ المسؤولين؛ لكنّ منظمة بتسيلم كانت قد أعلنت منذ أشهر عدّة أنّها لا تنوي التوجه بشكاوى إضافيّة حيث أنّ هذا الجهاز ليس سوى آليّة لطمس الحقائق ولا يسعى إلى الكشف عن الحقيقة أو تحقيق العدالة. قرار بتسيلم لا يلغي بالطبع التزام الجهاز بواجب القيام بمهمّته والتحقيق مع كافة المسؤولين عن هذه الحادثة؛ ولكن حتى لو تمّ فتح تحقيق، تعلّمنا التجربة أنّ احتمال التوصّل إلى نتائج ذات أهمّية هو احتمال ضعيف.

شاهد أيضاً

صحفي إسرائيلي يحرض على المصلين الفلسطينيين في المسجد الأقصى

مقال كتبه الصحفي نوعم أمير في صحيفة “مكور ريشون” بعنوان: “كذب حرية الديانة: قولوا للجميع …