بتسيلم: الإدارة المدنيّة تخطّط لطرد آلاف البدو من أماكن سكنهم وتجميعهم في بلدة لا تلائم احتياجاتهم

قامت الإدارة المدنيّة بإيداع مخطط لإقامة بلدة جديدة في غور الأردن لصالح آلاف البدو، الذين سيُضطرون للانتقال للسكن فيها. ويُعد هذا المخطط واحدًا من عدة مخططات شبيهة تخطط الإدارة المدنيّة لدفعها قدمًا.

وقد جُهّز المخطط الحاليّ من دون استشارة السكان ومن خلال تجاهل احتياجاتهم. ويُعتبر المخطط جزءًا من محاولات الإدارة المدنيّة المتكرّرة لتجميع البدو الذين يعيشون في المنطقة C في الضفة الغربيّة في “مواقع دائمة”، بغية تسهيل ضمّ غالبيّة المنطقة إلى إسرائيل ومن أجل إبقائها شاغرة للاستخدامات الإسرائيليّة، ومن ضمنها توسيع المستوطنات.

ستُقام البلدة الجديدة والتي من المخطط تسميتها “رمات نويعمة”، في غور الأردن بجوار أريحا في منطقة c. وهي مُعدّة لاستيعاب زهاء 12,500 شخص ينتمون إلى تجمعات سكنيّة بدويّة تعيش في غور الأردن وفي منطقة معاليه أدوميم.

وقد جرى إيداع الخرائط الهيكليّة الأولى الخاصة بالبلدة من أجل تقديم الاعتراضات عليها يوم 25/8/2014، وهي تتطرّق إلى إقامة بلدة لصالح عشيرة الرشايدة التي تعيش اليوم في الموقع، وشقّ شارع يمتدّ بين الموقعين السكنيّين في البلدة. في يوم 9/9/2014 جرى إيداع ثلاث خرائط إضافية- اثنتان منها للسكن والأخرى لشق شارع. وينوي السكان بمعيّة جمعية “بمكوم” تقديم سلسلة من الاعتراضات على هذه الخرائط.

وقد جُهّزت هذه الخرائط من دون إشراك السكان ومن دون أن يتلقوا معلومات حول حجم المخطط، ممّا حال دون عرض موقفهم وتوضيح احتياجاتهم. ويتجاهل المخطط نهج الحياة الزراعيّ للسكان، وهو سيحول دون مواصلتهم رعي مواشيهم كما في السابق؛ وستكون البلدة الجديدة محاطة من كلّ جهاتها بمناطق تدريبات عسكرية ومستوطنات وبحاجز عسكريّ، ولذلك لن يملك السكان مناطق رعي لمواشيهم. زد على ذلك أنّ هذا المخطط يجبر القبائل والعشائر المختلفة على السكن سويّة، خلافًا لتقاليدهم.

وصل غالبيّة البدو الذين يعيشون في الضفّة الغربيّة إليها بعد أن تركوا بيوتهم في النقب أو طُردوا منها عام 1948. ومنذ احتلال إسرائيل للضفة اضطروا لنقل أماكن سكنهم عدة مرات بسبب إقامة المستوطنات، والإعلان عن مناطق تدريبات عسكريّة أو محميّات طبيعيّة وغيرها. وصدرت بحق بيوتهم حتى الآن مئات أوامر الهدم، فيما طُردت تجمعات سكنيّة كاملة من بيوتها مرةً بعد أخرى.

وقد امتنعت السلطات الإسرائيليّة، وخصوصًا الإدارة المدنيّة المسؤولة عن المسألة، عن تجهيز مخططات هيكليّة تلبي احتياجاتهم وتسمح لهم بمواصلة عيش حياتهم وفقًا لتقاليدهم، كما أنها لم تعترف بأيّ حقوق لهم على الأرض، أيًّا كانت. نتيجة لذلك، يعيش السكان البدو بمستوى حياة متدنٍّ جدًا: فهم غير مرتبطين بشبكة الكهرباء، وبعضهم فقط مرتبطون بشبكة المياه، ومنالية الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم محدودة جدًا. ويستند نهج حياتهم إلى رعي المواشي، إلا أنّ السلطات الإسرائيليّة تقيّد قدرتهم على الوصول إلى مناطق الرعي والأسواق.

وتدّعي الإدارة المدنيّة أنّ الغاية من وراء المخطط الذي جهّزته تكمن في تحسين مستوى حياة هذه التجمعات السكنية، وتوفير ظروف سكنية ملائمة لهم. وفي ردّ على مقالة حول الموضوع نُشرت في جريدة هآرتس، ادّعى الناطق بلسان منسّق العمليّات في المناطق، أنّ الغاية من البلدة الجديدة “تمكين السكان من الاستقرار في المنطقة المنظّمة التي تتمتّع ببنى تحتيّة لائقة وملائمة”.

ولكن، لو كان صالح هذه التجمعات يقع في ضمن اهتمام الإدارة المدنيّة حقًا، فإنها كانت ستتشاور معها أثناء إعداد المخطط وكانت ستضع مخطّطًا يلبي احتياجاتها ويسمح لها بمواصلة نهج حياتها. وبدلاً من ذلك، تفرض الإدارة المدنيّة على السكان مخطّطًا يُلزم بإجراء تغيير جذريّ في نهج حياتهم ويسلبهم مصادر أرزاقهم، ممّا قد يؤدّي إلى تدمير هذه التجمعات السكانيّة.

وكانت الإدارة المدنيّة قد فرضت في السابق على مجموعة بدويّة الانتقال إلى منازل ثابتة: ففي سنوات التسعين أقامت الإدارة المدنيّة بلدة بجوار مزبلة أبو ديس، وطردت إليها أبناء قبيلة الجهالين كي تسمح بتوسيع مستوطنة معاليه أدوميم. وفي تلك الحالة أيضًا جرت تخطيط البلدة من دون التشاور مع السكان. وإلى جانب الإسقاطات السكنية الخاصة بالسكن إلى جانب مزبلة، فإنّ الانتقال للسكن في بلدة قضى على نهج الحياة البدويّ وألحق مسًّا كبيرًا بالسكان وبالحياة المجتمعيّة. كانت الأرض التي خُصّصت لكلّ عائلة صغيرة ولا تكفي المواشي، وكان الوصول إلى مناطق الرعي التي حُددت لهم قد قيّد على أرض الواقع على يد الجيش، ولا يزيد عدد السكان الذي يواصلون اليوم كسب أرزاقهم من رعي المواشي عن 30%.

ويندمج المخطط الحالي في ضمن الجهود الكثيرة التي تبذلها السلطات المختلفة، منذ عشرات السنوات، لطرد آلاف الفلسطينيّين الذين يعيشون في عشرات التجمعات السكنيّة المنتشرة في المنطقة C، وذلك تحت مسوّغات مختلفة. وأعلنت جهات إسرائيليّة رسميّة في أكثر من مناسبة أنها تسعى للسيطرة على أراضي منطقة C، بغية فرض ظروف تُسهّل من عملية ضمّها إلى حدود الدولة في إطار الاتفاق الدائم، وضمّها بشكل فعليّ حتى ذلك الحين.

يناقض مخطط الإدارة المدنيّة أحكام القانون الإنسانيّ الدوليّ، التي تحظر نقل السكان المحميّين قسرًا، إلا إذا جرى الأمر من أجل سلامتهم وأمنهم أو من لغاية عسكريّة. وحتى حين يستوفي الإخلاء هذين الشرطيْن، فجيب أن يتمّ بشكل مؤقت فقط. من الواضح أنّ هذين الشرطين غير قائمين في حالتنا هذه. وزد على ذلك أنّ السلطات الإسرائيليّة، بصفتها ممثلة قوة الاحتلال، تتحمّل واجب السعي من أجل صالح وفائدة ورفاهية سكان المنطقة الخاضعة للاحتلال. ويشكل مخطط طردهم من بيوتهم وفرض ظروف سكنية على بعضهم تمسّ مصادر أرزاقهم، انتهاكًا لهذا الواجب، وهو يهدف بشكل واضح لدفع مآرب سياسيّة لا تمتّ بأيّ صلة لواجب قوة الاحتلال.

يجب على الإدارة المدنيّة إبطال مخطط إقامة بلدة “رمات نويعمة”. ويجب على “الإدارة” السماح للمجموعات السكنيّة البدويّة بالعيش وفقًا لنهج حيتهم، وتخطيط مجتمعاتهم المحليّة، وتشييد منازلهم بشكل قانونيّ، وربطهم بالبنى التحتيّة وتوفير خدمات الصحة والتربية لهم.

شاهد أيضاً

صحفي إسرائيلي يحرض على المصلين الفلسطينيين في المسجد الأقصى

مقال كتبه الصحفي نوعم أمير في صحيفة “مكور ريشون” بعنوان: “كذب حرية الديانة: قولوا للجميع …