قطاع غزة

بتسيلم- مسؤولون كبار في إسرائيل يتحمّلون المسؤوليّة الجنائيّة عن المساس المتوقع بالمدنيّين بمَن فيهم الأطفال في قطاع غزّة

خلال خمسة أيّام من القصف في قطاع غزة، الرعب وعدم اليقين (“جولة قتال”)، قتلتْ إسرائيل ثلاثين فلسطينيًّا. ثلثُهم ـ عشرة ـ لم يشاركوا في القتال. قُتلوا جميعًا في نفس الدقيقة بالضبط، في 9.5.23 قرابة الساعة 2:00 قبل الفجر في ليلة القصف الأولى، عندما هاجمتْ إسرائيل، بمبادرتها الكاملة، ثلاثة منازل يسكنها ناشطون من الجهاد الإسلاميّ وأفراد عائلاتهم:

في قصف منزل طارق عزّ الدين (48 عامًا) قُتِل هو وطفلاه ـ علي (8 أعوام) وميار (10 أعوام). كما قُتل جيرانه الذين كانوا يسكنون في الشقّة التي فوقهم: د. جمال خصوان (52 عامًا) وزوجته ميرفت (44 عامًا) وابنهما يوسف (19 عامًا).

في قصف منزل خليل البهتيني (44 عامًا) قُتِل هو وزوجته ليلى (43 عامًا) وابنتهما هاجر (4 أعوام). كما قُتِلتْ شقيقتان كانتا تسكنان في الجوار ـ دانيا عدس (19 عامًا) وإيمان (17 عامًا).

في قصف منزل جهاد غنّام (62 عامًا) قُتِل هو وزوجته وفاء (61 عامًا).

تمّ تدمير الشقق الثلاث بالكامل. كما تمّ تدمير شقّتَين أخريين بشكل كامل وتضرّرت شقّتان أخريان بشكل جزئيّ.

 لم يكن ذلك خطَأً.

أفاد المراسلون الذين حضروا في التوجيهات السرّيّة التي أجراها ممثّلو الجيش مع وسائل الإعلام بعد الهجوم بأنّه تم إبلاغهم بأنّ المسؤولين الذين أمروا بالقصف كانوا يعلمون بوجود أشخاص آخرين في البيوت التي تمّ قصفها وبأنّهم افترضوا أنّ ثمّة احتمالًا كبيرًا لأن يُقتل هؤلاء أيضًا. فعلى سبيل المثال، نُشِر أنّه “في الجيش الإسرائيليّ قالوا إنّهم كانوا يعلمون بوجود أشخاص غير ضالعين على مقربة من قادة الجهاد الثلاثة، وكذلك باحتمال تعرّضهم للأذى، لكنّ هذه التقديرات أُخِذت بالحسبان في قرار تنفيذ عمليّات القتل الموضعي”. بالنظر إلى أنّ إطلاق النار تمّ في منتصف الليل على بيوت سكنيّة يعيش فيها أفراد عائلات ناشطي الجهاد الإسلامي، فهذا هو الافتراض المحتّم.

في الماضي، عندما قُتل مدنيّون في عمليّات القصف التي نفّذتها إسرائيل في قطاع غزّة، كان المسؤولون يحاولون الادّعاء بأنّ هذه الإصابة لم تكن متوقّعة: نتيجة مؤسفة لخلل ما، معلومات استخباريّة خاطئة أو جزئيّة أو غير محدّثة، وغيرها من الادّعاءات المماثلة. هذه المرّة نُزعت الأقنعة وحتى هذه الادّعاءات لم يتم طرحها. بدلًا من ذلك، حاولتْ إسرائيل الادّعاء بأنّه حتّى في ضوء هذه النتائج المعروفة مسبقًا، فقد كانت العمليّة قانونيّة.

 محاولات إسرائيل العبثية لتبرير القتل

التبرير الإسرائيليّ الأول: إنّه مجرد “ضرر عرَضيّ” قانونيّ

أحد الادّعاءات التي طُرحت مفاده أنّ الهجوم كان قانونيًّا وَفقًا للقانون الدوليّ الإنسانيّ لأنّه كان “تناسبيًّا” وأنّ القتلى العشرة، وفقًا لهذا الادّعاء، هم “ضرر عرَضيّ” فحسْب. هكذا على سبيل المثال، ادّعى المتحدّث باسم الجيش الإسرائيليّ بأنه “نفّذنا هنا عمليّة موضعية للغاية ذات رسالة واضحة للغاية، بمستوى نوعيّ لضرر عرَضيّ محدّد للغاية”. عاموس يادلين، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكريّة، أوضح أنّ “الجيش الإسرائيليّ وجهاز الشاباك، وبمجرّد تنفيذ عملية التصفية، أثبتا قدرة مذهلة على الهجوم الدقيق في عدّة مواقع بالتزامن، مع حدّ أدنى من الضرر العرَضيّ (إصابة غير الضالعين مؤسفة ولكنّها تناسبيّة) واستنادًا إلى معلومات استخباريّة دقيقة للغاية”.

غير أنّ هذا الرأي لا أساس له، إطلاقاً. فوفقًا لمبدأ التناسبيّة، يُعتبَر الهجوم غير قانونيّ إذا كان من المتوقّع أن يتسبّب في “ضرر عرَضيّ” للمدنيّين وممتلكاتهم يكون مفرطًا مقارنة مع الأفضلية العسكريّة “المباشرة والملموسة” المتوقّعة للجانب المهاجم نتيجةً له. إنّ تطبيق هذا المبدأ هو زئبقيّ وملتَبس، إذ لا يوجد تعريف لما يمكن اعتباره إصابة “مفرطَة” وما يمكن اعتباره “أفضليّة عسكريّة” وكيف بالإمكان الموازنة أصلاً بين معيارين اثنين مختلفين إلى هذا الحدّ. بالنظر إلى ذلك، عندما نأتي لفحص تطبيق مبدأ التناسبيّة بخصوص حالة عينيّة، يكون التحليل القانونيّ الجاف غير ممكن، البتّة تقريباً، ومن الواضح أنّ التفسير لا بد أن يتأثّر أيضًا بوجهة نظر المُفسِّر.

مع ذلك، وكما هو الحال بخصوص أيّ قاعدة قانونيّة، أخرى ليس كلّ تفسير يُعتَبر شرعيًّا وهنالك بالتأكيد حالات يكون فيها الحسم بشأن ما إذا كان الهجوم “تناسبيًّا” قاطعاً ولا لُبس فيه. فالتفسير المنفصل تمامًا عن أهداف وروح القانون الدوليّ الإنسانيّ ـ مثل التفسير الذي يقول إن الهجوم الذي نفّذه الجيش في منتصف الليل على منازل العائلات كان تناسبيًّا ـ هو تفسير سخيف لا أساس له من الصحّة. إذا قبلنا بهذا التفسير، فمن الصعب أن نرى أيّة قيمة ومعنى يُبقي للقانون الدوليّ الإنسانيّ إجمالًا، لأنّه يُلغي حماية المدنيّين.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ السؤال بشأن ما إذا كان الإجراء تناسبيًّا لا يُطرَح إلّا في الحالات التي كان فيها الهجوم نفسه قانونيًّا ـ أي كالهجوم الذي يستهدف أهدافًا عسكريّة مشروعة. إذا لم يكن الهجوم على هذا النحو، فسيكون غير قانونيّ بغضّ النظر عن مسألة إلحاق الضرر بالمدنيّين وبممتلكاتهم. يُعرَّف “الهدف العسكريّ المشروع” بأنّه الهدف الذي يساهم “مساهمة فعّالة في عمليّة عسكريّة” وبأنّه الهدف الذي من شأن إلحاق الضرر به أن يمنح الطرف المهاجِم “أفضليّة عسكريّة بارزة”.

الهجوم في تلك الليلة استهدف شقق ثلاثة ناشطين من الجهاد الإسلاميّ. بيوتهم، وكذلك بيتان إضافيّان للجيران، دُمّرت تدميرًا كاملًا. هل يمكن اعتبار بيوت الناشطين أهدافًا عسكريّة مشروعة وفقًا للتعريف أعلاه؟ الجواب هو بالنفي طبعًا وإسرائيل لم تحاول ادّعاء ذلك أصلاً: لم يدّعِ أيّ مسؤول رسميّ بأنّه تمّ في تلك الشقق تنفيذ أيّ نشاط قدّم “مساهمة فعّالة في عمليّة عسكريّة” أو أنّ إلحاق الضرر بها سيمنح إسرائيل “أفضليّة عسكريّة بارزة”. تمّ إلحاق الضرر بالبيوت عرَضيًّا وليس كهدف في حدّ ذاته. بالنظر إلى هذا، فإنّ الهجوم بأكمله غير قانونيّ، حتّى قبل القتل الواسع النطاق الذي تسبّب به.

 التبرير الإسرائيليّ الثاني: الذنْب أصلًا هو ذنْبُ ناشطي الجهاد الإسلامي الذين يختبئون خلف المدنيّين

التبرير الآخر الذي ذكره المسؤولون الرسميّون هو أنّ ناشطي الجهاد، الذين يختارون الاختباء خلف المدنيّين، هم المسؤولون عن النتائج. فعلى سبيل المثال، قال رئيس أركان الجيش، هرتسي هليفي، إنّه “لو كان بالإمكان تنفيذ اغتيال قادة الجهاد دون إيذاء الأبرياء لكان الجيش الإسرائيليّ قد فعل ذلك، لكن ‘يجب تذكُّر أنّ الإرهاب ينشط من بين السكّان المدنيّين، كجزء من نهج، وبذلك يُعرّض سكّان قطاع غزّة للخطر’ “. هذا الادّعاء مستهجَن بالنظر إلى أنّ ناشطي الجهاد كانوا نائمين في بيوتهم مع أفراد عائلاتهم ولم يشاركوا في نشاط عسكريّ “من بين السكّان المدنيّين”. لكن عدا ذلك، فهذا الادّعاء يقود إلى نتائج غير قانونيّة.

صحيح أن تنظيمات مسلّحة في قطاع غزّة تنتهك أحكام القانون الدوليّ الإنسانيّ ولا تميّز بين الأهداف المدنيّة والأهداف العسكريّة. وهذا الخلط يقوّض أبسط قواعد القانون الإنسانيّ التي تهدف إلى تقليص الضرر اللاحق بالمدنيّين قدر الإمكان وإبعادهم عن مناطق القتال.

وفقًا لإسرائيل، فإنّ هذا السلوك يمنحها حرّيّة تصرّف غير محدودة: إنّه يحرّرها من واجب الامتثال للقانون ويبرّر الأضرار الجسيمة التي تُلحِقها بالسكّان المدنيّين. لكنّ هذا التفسير يبرّر مسبقًا أيّ عمل تسعى إسرائيل إلى تنفيذه في القطاع، مهما كانت نتائجه مروّعة. إنّه يحرّر إسرائيل من واجبها في تقليص الضرر اللاحق بالمدنيّين وبممتلكاتهم قدر الإمكان ويفرغ من أيّ مضمون القاعدة التي تنصّ على أنّ حقيقة كون أحد الطرفين قد انتهك الأحكام لا تعفي الطرف الآخر من وجوب تطبيقها.

إسرائيل هي التي اختارت إطلاق الصواريخ التي قتلت ودمّرت، وبالتالي فهي التي تتحمّل المسؤوليّة الكاملة والحصريّة عن إلحاق الضرر بالمدنيّين الفلسطينيّين وبممتلكاتهم. يجب رفض أيّ تفسير آخر يحمّل الفلسطينيّين المسؤوليّة عن هذا التصرّف ونتائجه، جملةً وتفصيلًا.

 حتّى الجولة القادمة

خلال جولات القتال التي اندلعت في قطاع غزّة في السنوات الأخيرة هاجمتْ إسرائيل مناطق سكنيّة مكتظّة بالسكّان من البرّ والجوّ والبحر. قُتِل آلاف الفلسطينيّين وجُرح آلاف آخرون ودُمّرت عشرات الآلاف من المنازل وبقي مئات الآلاف من الناس بدون سقف يؤويهم. فَقَدَتْ عائلات كاملة عالمَها كلّه في لحظة واحدة، دون أن يتمكّنوا من حماية أطفالهم وأنفسهم داخل منزلهم. على الرغم من عدم قانونيّة هذه السياسة، إلّا أنّها تحظى بدعم كامل من جميع المستويات العليا في إسرائيل: المستوى السياسيّ والمستوى القضائيّ والمستوى العسكريّ.

قصف المنازل في قطاع غزّة ليلة 9.5.23 ليس أمرًا استثنائيًّا أو خارجًا عن المألوف وإنّما هو جزء من هذه السياسة. وكما هي الحال في العديد من الحالات الأخرى، لم يتمّ القيام به كعمليّة دفاع عن النفس مقابل خطر واضح وفوري لم يكن بالإمكان منعه بطريقة أخرى. بل على العكس تمامًا: أصحاب القرار الإسرائيليّون هم من حدّدوا التوقيت، الأهداف والوسائل. هم مَن اختاروا، عن وعي وإدراك، إطلاق الصواريخ على المنازل السكنيّة في منتصف الليل، حين كان أفراد العائلات نائمين في أسرَّتِهم، مع  علمهم بأنّه يُتوقع أن يُقتَل كثيرو آخرون، بمَن في ذلك أطفال صغار.

تستند وجهات النظر القانونيّة التي قدّمتها إسرائيل لنفسها، والتي شرعنت العمليّة، إلى تفسير خاطئ للقانون الدوليّ الإنسانيّ وإلى مفهوم أخلاقيّ مشوَّه ويجب رفض كليهما. مثل أيّ جريمة، هنا أيضًا يوجد مَن يتحمّلون المسؤوليّة الجنائيّة المباشرة عن ارتكابها –ـ بمَن في ذلك رئيس الحكومة، وزير الأمن، رئيس الأركان، قائد سلاح الجوّ والنائب العسكريّ الرئيسيّ.

دعكم من “العلم الأسود”، دعكم من “لا قانونيّة تُعمِل في العين وخزًا وفي القلب طعنًا”. لم يعد متّخذو القرار في إسرائيل يكلّفون أنفسهم حتّى عناء إخفاء تصوّرهم بأنّ قتل أشخاص لم يفعلوا شيئًا، حتّى الأطفال الصغار، هو أمر مشروع. ليس بسبب انعدام أي خيار آخر، ليس لمواجهة خطر فوريّ وحتميّ على الحياة، وإنّما كطريق ملوكيّ رئيسيّ معتمد، كخاتمة لسيرورة مدروسة في اتّخاذ القرار، بصورة اختيارية وبمحض الإرادة.

المصدر – بتسيلم

شاهد أيضاً

مستعمرون ينصبون خياما غرب سلفيت

سلفيت 16-4-2024 – نصب عدد من المستعمرين، اليوم الثلاثاء، خياما في بلدة كفر الديك غرب …