الجيش الإسرائيلي يعود ويتدرّب في مناطق للسّكن والرعي تتبع لتجمّعات فلسطينيّة

في الأسابيع الأخيرة عاد الجيش وأجرى تدريبات عدّة مرّات في مساكن أو مراعٍ تابعة للتجمّعات السكنيّة الفلسطينية، بحجّة أنّ الحديث يدور حول “مناطق إطلاق نار”. هذا رغم أنّ هذه التجمّعات تعيش وترعى أغنامها في هذه الأراضي منذ سنوات طويلة.

بين 31.10.16 و 2.11.16 أخلى الجيش في خربتي حمصة والرأس الأحمر، في الأغوار الشمالية، 13 أسرة فلسطينيّة – 64 شخصًا، بينهم 27 قاصرًا. أجبرت الأسر على مغادرة منازلها إلى أماكن بعيدة، مصطحبة مواشيها أحيانًا. في السنوات الأخيرة، طُلب من سكّان هذه التجمّعات، والتي أقيمَت بجوارها المستوطنتان روعي وبقعوت، مغادرة منازلهم عدّة مرات كلّ سنة تحت هذه الذريعة.

في تجمّع خربة حمصة جرى إخلاء أربع أسر تضمّ 26 شخصًا، من بينهم 14 قاصرًا، مرّتين. في 31.10.16 جرى إخلاء الأسر من الساعة السادسة صباحًا وحتى الساعة 12:00 ظهرًا، وفي اليوم التالي جرى إخلاؤها مجدّدًا من الساعة السادسة صباحًا، وفي هذه المرّة سُمح لهم بالعودة فقط في العاشرة ليلاً. في شهر أيّار جرى إخلاء 19 أسرة من التجمّع نفسه لساعات طويلة طيلة ثلاثة أيام، حيث لم يُسمح لإحدى الأسر العودة حتى في ساعات الليل، وسُمح للأخرى بالعودة فقط في منتصف الليل. في عام 2015 جرى إخلاء أسر من التجمّع 19 مرّة.

في تجمّع الرأس الأحمر جرى إخلاء 9 أسر مكوّنة من 38 فردًا، بينهم 13 قاصرًا، فاضطرّت إلى قضاء الليل خارج منازلها: طُلب من الأسر أن تخلي منازلها في تاريخ 1.11.16 عند الساعة 16:00، وسُمح لها بالعودة في اليوم التالي عند الساعة 10:00 صباحا. جرى ذلك غداة أن صادر ممثلو الإدارة المدنية خمسة جرّارات كان يستخدمها سكّان التجمّع لنقل المياه والموادّ الغذائية للمواشي، وكان قد سبق ذلك – في 9.10.16 – هدْم عشر مساكن في التجمّع على يد قوات الإدارة. قبل عمليات الإخلاء هذه نفّذ الجيش تدريبات على الأراضي المجاورة للتجمّع في خمس مرّات منذ بداية العام. في عام 2015 جرى إخلاء أسر من التجمّع خمس مرّات.

في الإخلاء الأخير اضطرّ سكان التجمّع إلى مغادرة منازلهم والنزوح إلى مناطق بعيدة سيرًا على الأقدام أو على الجرّارات. وجدت بعض الأسر مأوىً في خيام تملكها في مراعٍ بعيدة، ولكنّ أسرًا أخرى اضطرّت إلى البقاء في العراء دون مأوىً لساعات بل وطوال الليل.

في الإفادة التي قدّمها للباحث الميداني في بتسيلم، عارف ضراغمة، في تاريخ 7.11.16 روى صقر بني عودة، 20 عامًا، من سكّان الرأس الأحمر، عن الإخلاء:

قبل أسبوع حضروا وصادروا جرّاراتنا، بما في ذلك جرّاري. الجرّار بمثابة يد بالنسبة لي. أستخدمه لنقل المياه والعلف للمواشي ولاحتياجات الأسرة. لقد دمّروني. قبل ذلك بأربعة أيام، سلّمونا أوامر إخلاء ليوم 1.11.16، من الساعة 16:00 وحتى الساعة 10:00 من صباح اليوم التالي. في يوم الإخلاء، عند حوالي الساعة 16:00، وصلت سيّارتا جيب تابعتين للإدارة وسيارة جيب تابعة للجيش، وبدأت بإخراج السكان من الخيام. فتّشوا كلّ مبنىً سكنيّ، أسرة تِلو الأخرى. اضطررنا إلى ترك مواشينا وراءنا. عندما خرجنا كان الطقس باردًا في الخارج، هطل المطل وبدأ يحلّ الظلام. وصلتُ مع الأسرة إلى خيام بعيدة نملكها وجلسنا فيها. كانت هناك أسرٌ أخرى امتطت البهائم وبقيت في العراء والجوّ البارد، بعيدًا عن منازلها.

مرّت علينا ليلة من الرعب والقلق على أطفالنا وممتلكاتنا. لدينا حِمْلان. خشينا أن تهاجمها الضباع وغيرها من الحيوانات البرية. أطلق الجنود من فوق رؤوسنا عدّة قذائف إلى المناطق النائية في الجبال. خشينا أن تقع قذيفة بيننا فنُقتَل.

انتهت التدريبات صباح اليوم التالي، زهاء العاشرة. كان الأمر صعبًا للغاية، ولم يكفنا الطعام والماء الذي أخذناه معنا. عدنا إلى خيامنا بحذر شديد لأننا خشينا أن تكون قد سقطت بالقرب منها قذائف ولم تنفجر. بدأنا نبحث هنا وهناك للتأكّد من أنّ المكان آمن، ومن حسن الحظ أننا لم نجد أيّ شيء. كانت الخيام في حالة يرثى لها، دخلت الكلاب وحيوانات المزرعة إليها وعبثت في كلّ شيء. الحِمْلان حديثة الولادة كادت تموت من العطش والجوع، ومنها من أصابه المرض. استدعينا طبيبًا بيطريًّا ليقوم بمعاينتها. كان الأولاد مرهقين بعد ليلة من الرّعب، ومنهم من لم يذهب إلى المدرسة في ذلك اليوم.

على مرّ السنين، قاموا بإخلائنا عدّة مرّات، وفي كل مرة ألقوا بنا بعيدًا. هذه السياسة هدفها تدمير مصدر رزقنا. يريدون منا أن نغادر المكان. تارة يهدمون، وتارة يطردوننا وتارة أخرى يصادرون معداتنا. هذه السياسة مألوفة لدينا وندرك الغرض منها.

قبل أسبوعين، في 13.10.16، أجرت قوّات الجيش تدريبًا أيضًا في منطقة الفجم المجاورة لقرية عقربا الفلسطينيّة، في محافظة نابلس. توجد في المنطقة أراضٍ زراعيّة ومراعي تابعة لعشر أسر من القرية. تمكث الأسر في المزارع والمراعي في أشهر الشتاء فقط، لكنّ الخيام تظلّ قائمة فيها طيلة العام، وفي بقيّة السنة يبقى في المكان فقط أفراد الأسرة المسؤولون عن الرعي. هذه المنطقة، على غرار منطقة سكن تجمّع خربة طانا المجاورة، تصنّفها إسرائيل منطقة إطلاق نار وتمنع الفلسطينيين من السكن فيها. هذا رغم أنّهم سكنوا هناك قبل أن تحتلّ إسرائيل الضفّة، ورغم إقامة إسرائيل لمستوطنة مخوراه بالقرب منها. في هذه الحالات لم يجر إخلاء السكّان من المكان إطلاقًا ولم يتسلّموا قبل ذلك أوامر إخلاء، وإنّما هم اضطرّوا إلى الابتعاد بعد أن شاهدوا حضورًا كبيرًا للجيش في منطقة مراعيهم ومساكنهم. تسبّب تدريبات الجيش أضرارًا للخيام وخزانات المياه التابعة للأسر التي تعيش في المنطقة.

في إفادة عن التدريبات العسكريّة قدّمها للباحث الميداني في بتسيلم، عارف ضراغمة، يوم 17.10.16روى محمد ميادمه، 52 عامًا، ما يلي:

أعيش هنا في منطقة الفجم مع أسرتي وأسر إخوتي. ربّيتُ ثمانية أطفال هنا. نحن نعيش هنا ونربّي الأغنام. في الصّيف تعود الأسر إلى عقربا، لكنّ رعاة الغنم والغنم يبقون في المكان، وكذلك المنازل والخيام.

في تاريخ 13.10.16 كانت أغنامي في المرعى في منطقة قريبة من منطقة سكننا مع رعاة أغنام كثيرين، بينهم ابني ثائر. وصل جنود كثيرون فأخذ الرعاة قطعانهم وابتعدوا عن المنطقة لكي لا يصيبهم الرصاص. في ساعات المساء، بعد حلول الظلام، جرى إطلاق نار مكثّف في المنطقة. في اليوم التالي رأينا الجنود يغادرون في الحافلات فاقتربنا من منطقة سكننا. بدا المكان مثل ساحة معركة. كان هناك مئات من الخراطيش في المنطقة، ما بين الخيام وحولها. عشرات الرصاصات ثقبت خزّان المياه الذي أملكه وخزّان أخي. لقد تدرّبوا عن طريق إطلاق النار على الخزّانات، الأكواخ، المعرّشات، الطاولات، وكل ما كان هناك. علّقوا أهداف الرّماية على خزّانات المياه البلاستيكيّة وفجّروها بالرصاص. لم يتركوا شيئًا إلاّ وضربوه بالرصاص. خشينا أن يكون قد تبقّى هناك متفجّرات. فحصنا المكان جيدًا ولم نجد شيئًا. خفنا كثيرا.

بعد ذلك عانيت من نوبات خوف. فكرت ماذا سيحدث لو كان واحدا من الرعاة هناك، لا سمح الله. لكانت وقعت كارثة. يصيبني الهلع كلّما رأيت هناك رصاصة.

عمليّات الإخلاء المتكرّرة للتجمّعات في منطقة الأغوار بهدف إجراء تدريبات عسكريّة تتسبّب في إزعاج متكرّر ولا يُطاق، الأمر الذي يثير شكوكًا حول قدرة هذه التجمّعات على مواصلة العيش في منازلها، وذلك بسبب مطالبة السكّان بمغادرة منازلهم لساعات طويلة بإنذار فوريّ ومهلة قصيرة لا تتعدّى، أحيانا، بضع ساعات . في بعض الحالات لا يملك سكان التجمّعات مكانًا بديلاً منظّمًا يلجأون إليه، فيبقون عُرضة لأحوال الطّقس الصعبة التي تسود منطقة الأغوار. وفي مثل هذه الظروف عليهم الاهتمام بأفراد أسرهم، من الصغار وحتى المسنّين، من حيث المأوى، الماء والغذاء. في حالة سكّان الفجم وصل الجيش للتدرّب في منطقة سكنهم دون إخلائهم أو إبلاغهم بذلك مسبقًا، وعندما أدركوا ما يحدث اضطرّوا إلى المغادرة بسبب الخطر المحدق بهم. في جلسة لجنة الكنيست، التي عُقدت في تاريخ 27.4.14، قيل بشكل واضح أنّ طرد سكّان التجمّعات هو أحد الأهداف التي من أجلها تُقام التدريبات العسكريّة في هذه المناطق.

وفقًا للقانون الإنسانيّ الدوليّ، يحقّ لدولة محتلّة العمل داخل المنطقة المحتلة لاعتبارين فقط: مصلحة السكّان المحليين واعتبارات عسكرية آنيّة لها علاقة بنشاط الجيش في المنطقة المحتلة. إسرائيل، كسلطة احتلال، لا يحقّ لها استخدام الأرض لأغراض عسكرية عامّة، مثل تدريبات حربيّة وتدريبات عامّة يقوم بها الجيش. وبكلّ تأكيد لا يحقّ لها تحت هذه الذريعة إلحاق الضرر بسبُل عيش سكّان محميين والسعي لطردهم من منازلهم. على إسرائيل أن توقف فورًا عمليات الإخلاء المؤقتة للتجمّعات لأهداف تتعلّق بالتدريبات العسكريّة، وكلّ العمليات الأخرى التي تقوم بها في محاولة لإجبار الفلسطينيين المقيمين في منطقة الأغوار على إخلاء المنطقة.

شاهد أيضاً

صحفي إسرائيلي يحرض على المصلين الفلسطينيين في المسجد الأقصى

مقال كتبه الصحفي نوعم أمير في صحيفة “مكور ريشون” بعنوان: “كذب حرية الديانة: قولوا للجميع …