(العربية) موت مُعلَن سلفًا: عن النتائج الحتميّة لقصف المناطق المأهولة في قطاع غزة

Désolé, cet article est seulement disponible en Arabe, Anglais Américain et Hébreu.

منذ بدء الاقتتال في قطاع غزة يوم 8/7/2014، وحتى يوم 10/8/2014 (مشمول)، قُتل في قطاع غزة وفق المعطيات الأوليّة التي جمعتها منظمة بتسيلم أثناء الاقتتال، ما لا يقلّ عن 1,767 شخصًا من سكان القطاع، من بينهم 431 شخصًا دون سن الثامنة عشرة، و200 امرأة دون سنّ الستين، 85 شخصًا فوق سنّ الستين.

ووفق المعلومات المتوفّرة لدى بتسيلم، قُتل داخل 70 بيتًا سكنيًّا قُصفت بالمدفعيّة أو بالطائرات، أكثر من ثلاثة أفراد لعائلة واحدة. وتصل حصيلة الأفراد القتلى جراء عمليات القصف هذه إلى 542 شخصًا، غالبيّتهم من القاصرين والنساء: 242 قاصرًا، 126 مرأة حتى سنّ 60 25 شخصًا فوق سنّ الستين.

قصف منزل في قطاع غزة. تصوير: رونين زفولون، رويتريز. 26/7/2014

لقد كان قصف المنازل من الجوّ عنصرًا مركزيًّا في السياسة التي اتبعها الجيش الإسرائيليّ منذ بدء الاقتتال في القطاع. وإذا أخذنا بعين الاعتبار حجم وتواصل هذا القصف، فمن الجائز أن نفترض أنّ هذه السياسة وافق عليها المستوى السياسيّ والقياديّ الرفيع، وأنّها تمتّعت بتصريح مسبق من النيابة العسكريّة ووزارة القضاء.

في إطار هذه السياسة، قُصفت بيوت أخرى كلّ يوم، وقُتل المزيد والمزيد من المدنيّين والعائلات الكاملة التي أبيدت. وحتى لو قارنّا جولة الحرب الأخيرة مع الجولات السابقة في غزة، نرى أنّ الاقتتال هذه المرّة تميّز بتراكم استثنائيّ لأحداث كثيرة ومتتالية، قُتل في كلّ واحد منها عدد كبير من الأشخاص، غالبيّتهم لم يشاركوا في الاقتتال. فعلى سبيل المثال، في قصف لمبنى يقع في بني سهيلا يوم 20/7/2014، قُتل 26 شخصًا من أفراد عائلة أبو جامع، منهم 19 قاصرًا وخمس نساء؛ وفي قصف لمنزل يوم 26/7/2014 قُتل 20 فردًا من أفراد عائلة النجار، منهم 12 قاصرًا وست نساء ورجل فوق الستين عامًا؛ وفي قصف عمارة سكنيّة في خان يونس يوم 29/7/2014 قُتل 35 شخصًا من أربع عائلات، منهم 18 قاصرًا وثماني نساء.

ورغم ذلك، لم تتكلّف أيّ جهة رسميّة حتى الآن –أثناء الاقتتال أو بعده- عناءَ تقديم تفسير أيًّا كان لمقتل هؤلاء المدنيّين بتلك الأعداد الكبيرة، باستثناء بعض الحالات المعدودة التي طالبت جهات دوليّة بذلك. ومن الجائز أنّ الحكومة والجيش اعتقدا أنّ الحديث يدور عن نتائج معقولة وتناسبيّة، ومن الجائز أنهم اعتقدوا بعدم وجود أيّ حاجة ليفسّروا للجمهور، كيف ولماذا قُتل كلّ هذا العدد من الناس في غزة. وفي الحالتيْن، يدلّ هذا الصمت على قناعة مفادها بأنّ مثل هذا المسّ الجسيم بالسكان هو شرعيّ.

وتكرّر إسرائيل ادعاءاتها بأنها لا تملك أيّ نيّة للمسّ بالمدنيّين. إلا أنّ هذا الادعاء يظلّ فارغًا من أيّ مضمون مقابل النتائج الوخيمة التي وقعت. لم يكن القصف المكثّف على مواقع مدنيّة أثناء الحملة الاستثناءَ بل القاعدة، ما أنشأ روتينًا تمثّل في عشرات القتلى يوميًّا. كان يجب على من قام بالموافقة على هذا القصف أن يكون على دراية بأنّ ذلك سيؤدّي لمقتل مدنيّين كثر، ومع ذلك تواصلت عمليات القصف يومًا بعد يوم وبتصاعد. إنّ عمليّات القصف من الجوّ والبحر والمدفعيّة على مناطق مدنيّة مأهولة وعلى بيوت معينة في مثل هذه الظروف تشكّل تجاهلاً إجراميًّا لحتميّة مقتل أشخاص لم يشاركوا في الاقتتال، من بينهم أطفال ونساء ورجال، في موت مُعلن سلفًا.

ولكن حماس هي المسؤولة الفعليّة، أليس كذلك؟
تكرّر جهات إسرائيليّة رسميّة –من الجيش وخارجه- ادّعاءاتها بأنّ الجيش يفعل كلّ ما في وسعه من أجل تقليص المسّ بالمدنيّين. إلا أنّهم يدّعون أنّ حماس تشكّل تهديدًا على حياة المدنيّين ولذلك فهي وحدها من يتحمّل مسؤوليّة نتائج الأفعال التي تقترفها إسرائيل: القتلى والجرحى والنازحين وهدم البيوت والبنى التحتيّة.

صحيح؛ لقد نشطت حركة حماس أثناء الاقتتال خلافًا لأحكام القانون الإنسانيّ الدوليّ: فقد أطلقت القذائف والصواريخ على مدنيّين ومواقع مدنيّة في إسرائيل، وأخفت الأسلحة داخل مبانٍ ومؤسّسات مدنيّة في قطاع غزة، وحتى إنها أطلقت النار من أماكن محاذية لمبانٍ مدنيّة أو من داخلها. وهكذا، شكّلت حماس خطرًا على حياة السكان المدنيّين داخل القطاع وفرضت عليهم الدخول في دائرة الاقتتال. إنّ هذه التصرّفات غير قانونيّة، وهذا ما قالته بتسيلم في السابق وتعود وتكرّره الآن.

إلا أنّ إسرائيل تخطئ في تنصّلها من نتائج أفعالها وفي إلقاء اللوم والمسؤولية عنها على حماس. كلّ طرف يتحمّل مسؤوليّة أعماله هو: حماس تتحمّل مسؤوليّة النتائج المترتّبة على أعمالها، وإسرائيل تتحمّل مسؤولية نتائج أفعالها. الموقف الإسرائيليّ غير صحيح، لا قضائيًّا ولا على مستوى الحقائق ولا أخلاقيًّا:

قضائيًّا، لأنّ القانون الإنسانيّ الدوليّ الذي يسعى لتنظيم أداء وتصرّفات الأطراف المتحاربة في مثل هذه الأوضاع بالذات، ينصّ على عدم وجوب أيّ “تبادليّة” أو ندّيّة في الاقتتال: فحقيقة أنّ طرفًا ما ينتهك القانون لا تمنح الطرف الثاني الحقّ بفعل ذلك أيضًا. إسرائيل تعي ذلك جيّدًا، ولذلك فإلى جانب إلقاء المسؤوليّة على حماس، فإنّها تستمرّ في ادعائها بأنها تحرص على العمل وفق أحكام القانون الإنسانيّ الدوليّ. مع ذلك، فإنّ ادعاءات ممثلي الحكومة والجيش باطلة:

إسرائيل تدّعي أنّ كلّ هجمات الجيش في قطاع غزّة وُجّهت نحو أهداف عسكريّة فقط، ولكنها تُعرّف “أهدافًا عسكريّة” بشكل فضفاض جدًا، لدرجة أنّ هذا التعريف يُجرّد من جوهره ليشمل أيضًا المباني المدنيّة، مثل بيوت عائلات نشطاء الذراع العسكريّة التابعة لحماس. هذا انتهاك لمبدأ التمييز، وهو مبدأ أساسيّ في القانون الإنسانيّ الدوليّ..
تدّعي إسرائيل أنّ كلّ هجمات الجيش الإسرائيليّ في قطاع غزة كانت تناسبيّة، وأنّ مجرد حقيقة مقتل المدنيّين لا تشير إلى العكس. ولكن، وبعد عشرات الطلعات والهجمات التي قُتل في كلّ واحدة منها الكثير من الأشخاص الذين لم يشاركوا في الاقتتال، وفي الوقت الذي لم تثبت فيه إسرائيل، أو لو تدّعِ أصلاً، أنها حققّت بواسطة هذه الهجمات أفضليّة عسكريّة هامّة يمكن أن تُعتبر تناسبيّة مقابل هذه الأضرار، لم يعد بالإمكان قبول هذا الادّعاء وكأنّ الحديث يدور عن تصرّفات تناسبيّة. هذا انتهاك لمبدأ أساسيّ آخر في القانون الإنسانيّ الدوليّ، وهو مبدأ التناسبيّة.

تدّعي إسرائيل أنها حذّرت السكان في غزة قبل القيام بالهجمات. لكنّ توجيه إنذار عاديّ كهذا غير كافٍ: صحيح أنّ مئات آلاف الأشخاص في غزة، منهم الأطفال والمسنّون والمرضى، حُذّروا بأنّ عليهم مغادرة بيوتهم، لكن من غير المعقول أن يتوقع أحد مغادرة السكان المدنيّين، في حين لا مكانَ ليذهبوا إليه، ولا يُمنحون الوقت الكافي للمغادرة أحيانًا، وحين تكون الطريق غير آمنة، وفقما قال الكثير من سكان القطاع في الأسابيع الأخيرة. لقد ظلّ الكثير من المدنيّين في بيوتهم، نتيجة للخوف أو لانعدام الخيارات، وفي مثل هذه الظروف من المحظور على إسرائيل أن تفترض أنّ السكان قد تركوا بيوتهم حقًا وكأنّ الجميع قد لبّى نداء تحذيراتها.

يفرض القانون الإنسانيّ الدوليّ أمام القوات المتحاربة حدودًا جوهريّة من أجل تقليص المسّ بالمدنيّين للحد الأدنى الضروريّ. وتدّعي إسرائيل أنها تنشط في إطار هذه الحدود، إلا أنها تقوم على الأرض بتوجيه هذه الحدود إلى أماكن مريحة لها، وتتجاهل التفسير المقبول لأحكام القانون. ويعني هذا التجاهل إصدار توجيهات للجيش للعمل وفقًا لسياسة غير قانونيّة، وهي تؤدّي بشكل حتميّ إلى إلحاق الأذى الواسع بالسكان المدنيّين في قطاع غزة.

على مستوى الحقائق فإن إسرائيل لم تقصف الأماكن التي قالت إنّ حماس استخدمتها عسكريًّا فقط بل قصفت أيضًا مواقعَ مدنيّة، بما فيها عشرات البيوت التي مكثت فيها عائلات. وقد قُتل في عمليات القصف هذه الكثير من المدنيّين. وحتى الآن، لم يقدّم الجيش أيّ دليل على أنه هاجم حقًا أهدافًا تستخدمها الذراع العسكريّة لحماس وناشطوها، وعلى عكس ما كان في السابق، فقد امتنع بشكل شبه كامل عن تقديم التفسيرات الكامنة وراء عدد المصابين والقتلى الكبير. وبدلاً من ذلك اكتفت جهات رسميّة بطرح ادّعاءات عموميّة بما يخصّ تصرّف حركة حماس وبنشر بعض الأشرطة المتعلّقة ببعض الحالات المعدودة –الفادحة وغير القانونيّة بحدّ ذاتها- قامت حماس فيها بإخفاء الصواريخ والقذائف في موقع مدنيّ.

أخلاقيًّا، لقد كان المسّ اللاحق بالمدنيّين فادحًا للغاية وواسع الانتشار. من المعطيات الأوليّة التي جُمعت أثناء الحملة، يتضح أنّ أكثر من 600 قاصر وامرأة وشخص فوق سن الستين قُتلوا جراء القصف من الجوّ والبحر والمدفعيّة الذي استمرّ قرابة الأسابيع الأربعة. كلّ هؤلاء لم يشاركوا بالتأكيد في الحرب ولم يشكّلوا أيّ خطر على مواطنين إسرائيليين أو على أهداف إسرائيليّة. قرابة نصف مليون شخص (أكثر من ربع سكان قطاع غزة) اُقتلعوا من بيوتهم بعد إنذار سريع، مُخلّفين وراءهم كلّ ممتلكاتهم، ومن غير الواضح عدد البيوت التي تبقّت لأصحابها ليعودوا إليها. إنّ هذه النتائج هي نتيجة مباشرة للسياسة التي وضعتها جهات إسرائيليّة رفيعة المستوى، رأوا فيها طريقة شرعيّة لمواجهة إطلاق القذائف على إسرائيل ومخاطر الأنفاق. كان يجب على هذه الجهات أن تتوقّع مثل هذه النتائج الوخيمة سلفًا، وهي تتحمّل المسؤوليّة الأخلاقيّة عن هذا الشكل الذي اختير.

صحيح أنّ حماس تطلق النار على المدنيّين، وتنشط من قلب مواطنيها وتخفي السلاح في مواقع مدنيّة، إذ أنها تنتهك عبر هذه الأفعال القانون ويجب عليها أن تتحمّل المسؤوليّة عن هذا الانتهاك. إلا أنّ هذه المسؤوليّة لا تبرّر إعفاء إسرائيل من مسؤوليّتها عن أفعالها. حماس ليست مسؤولة ولا يمكنها أن تكون مسؤولة عن الأضرار والانتهاكات الفادحة التي ألحقتها إسرائيل بالسكان المدنيّين في القطاع. ولذلك، فإنّ إلقاء المسؤوليّة عن أفعال إسرائيل في القطاع على حماس، يعني أنّ إسرائيل معفيّة من أيّ قيود، وأنّ أيّ ردّ صادر عنها على انتهاكات تقوم بها حماس، مهما كانت، هو ردّ شرعيّ. هذا الموقف غير مبرّر البتّة، لا أخلاقيًّا ولا قضائيًّا: المسؤولية عن النتائج الوخيمة للسياسة التي تبنّتها إسرائيل في الشهر الأخير تقع على الحكومة الإسرائيليّة، وعلى المستوى القياديّ الرفيع في الجيش الذين صدّقوها، رغم أنّ النتائج الفظيعة كانت أمرًا معروفًا سلفًا. .

Check Also

Un journaliste israélien s’en prend aux fidèles palestiniens dans la mosquée Al-Aqsa

Une opinion rédigée par le journaliste Noem Amir dans les journaux “Makor Rishon” sous le …